وبدءًا من فجر 13 ديسمبر الجاري، جرى تنفيذ خطة البنزين ثلاثي التسعير، وطرح البنزين بسعر خمسة آلاف تومان للتر الواحد في محطات الوقود في عموم إيران.
وسألت “إيران إنترناشيونال” متابعيها عن تأثير ارتفاع أسعار البنزين على تكاليف معيشتهم.
وقال أحد المواطنين، عرّف عن نفسه بأنه متقاعد من بنك "رفاه"، في رسالة: “إذا كان يبقى في بطاقتي شيء من الراتب حتى منتصف الشهر قبل رفع سعر البنزين، فالآن على الأرجح لن يكفي لعشرة أيام. تكاليف المعيشة لم تعد تتناسب مع راتب التقاعد”.
وأشار بعض المتابعين إلى ارتفاع متزامن في نفقات أخرى. وفي هذا السياق، تحدث أحدهم عن قفزة حادة في فاتورة الغاز من 52 ألف تومان إلى ثلاثة ملايين و200 ألف تومان.
وفي رسالة أخرى، اشتكى مواطن من نقص بعض السلع في المتاجر، قائلًا: “اليوم وبسبب البنزين، لم يعد الأرز الباكستاني والهندي متوفرًا في المتاجر”.
وتحدّث عدد من المواطنين، في ظل غلاء “كل شيء” في إيران، عن فقدان مفهوم “الحياة” أساسًا، مؤكدين أنه لم تعد هناك موائد لتتأثر بارتفاع أسعار البنزين.
تأثير متسلسل على التضخم العام وارتفاع أسعار السلع الأساسية
ركّز جزء كبير من الرسائل على الأثر المباشر لارتفاع أسعار البنزين على أسعار المواد الغذائية، والأدوية، والسلع اليومية.
وكتب أحد المواطنين: “يؤثر على كل شيء؛ الموائد تصغر، وأسعار الأدوية ترتفع أضعافًا”.
وخلال الأسابيع الماضية، ومع إلغاء العملة التفضيلية عن بعض الأدوية المستوردة، صدرت تحذيرات من نقص الأدوية وضغوط اقتصادية متزايدة على المرضى.
وقال هادي أحمدي، عضو مجلس إدارة رابطة الصيادلة في إيران، في 14 ديسمبر، إن كثيرًا من المرضى يواجهون عند مراجعة الصيدليات ارتفاعًا في الأسعار، ما يدفعهم إما إلى شراء الدواء بشكل غير كامل أو الامتناع عن شرائه كليًا.
وإلى جانب الأدوية، شهدت سلع أساسية أخرى في إيران ارتفاعات ملحوظة في الأسعار.
وقال مواطن في رسالة إلى “إيران إنترناشيونال” إن موجة الغلاء بدأت قبل تنفيذ خطة رفع أسعار البنزين، غير أن من المتوقع أن تُلحق هذه الخطة ضربة إضافية بمعيشة المواطنين.
وأشار إلى ارتفاع أسعار الأرز، فيما أفادت رسائل مماثلة بزيادة أسعار البيض والخبز ومنتجات الألبان.
وجاء في رسالة أخرى: “اشترينا خمسة لترات بنزين بـ25 ألف تومان. بهذا المبلغ كنت أشتري خبزًا. وحتى الخبز لم يعد فيه بركة”.
وخلال العام الماضي، ارتفعت أسعار المواد الغذائية في إيران بمتوسط يزيد على 66 في المئة.
وتطرقت بعض الرسائل إلى أزمة أوسع، معتبرة أن رفع أسعار البنزين محرّك لموجة تضخم جديدة.
وكتب أحد المتابعين: “غلاء البنزين لا يطال أسرة واحدة فقط؛ أثره التضخمي يطال المجتمع كله ثم أمة بأكملها. الموائد تصغر وخط الفقر يتسع”.
وفي رسالة أخرى: “عندما يرتفع سعر البنزين، ترتفع تلقائيًا كل الأسعار. نحن لم نعد نعيش، نحن مجرد أموات متحركين”.
وأشار بعضهم إلى أن الغلاء ترك أثره في السوق حتى قبل الإعلان الرسمي.
السائقون والمهن المرتبطة بالوقود: خارج الخدمة
يُعد سائقو سيارات الأجرة عبر التطبيقات والمهن المرتبطة بالبنزين من بين الفئات التي شعرت بأكبر قدر من الضغط في الأيام الأخيرة.
وكتب أحد سائقي “سناب”: “بسبب غلاء البنزين لم أعد قادرًا على العمل. الدخل لا يغطي التكاليف”.
وقال مواطن آخر يعمل في مجال القيادة: “دخل البنزين مرحلة الخمسة آلاف تومان، وحياتي تعتمد على القيادة… بنسبة 100 في المئة سأواجه مشكلات في المستقبل”.
وجاء في رسالة أخرى: “تعرفة سيارات الأجرة تضاعفت، وتأثرت أجور الشحن بشكل كبير. باختصار، خسرنا الحياة”.
ومع تنفيذ القرار الجديد للحكومة، دخل نظام تسعير البنزين في إيران مرحلة جديدة.
وبموجب هذه الخطة، يُباع البنزين المدعوم بسعري 1500 و3000 تومان، فيما يُحتسب الاستهلاك الزائد، وبنزين السيارات الحكومية والمستوردة وبعض السيارات الفاخرة، بسعر 5000 تومان للتر.
وتقول الحكومة الإيرانية إن السبب الرئيسي لتنفيذ الخطة هو الارتفاع الكبير في “استهلاك” البنزين و”الاختلال” بين الإنتاج والاستهلاك.
وكان مسؤولون في النظام الإيراني قد صرّحوا سابقًا بأن الحكومة تشتري كل لتر بنزين بـ34 ألف تومان، غير أن تحقيقات “إيران إنترنشنال” في البيانات المالية للمصافي تُظهر أن الرقم الحقيقي هو 25 ألف تومان،ولا تتجاوز كلفة إنتاج البنزين دون احتساب كلفة الخام نحو 3500 تومان منها؛ أي أقل بنحو 90 في المئة من الرقم الذي أعلنته الحكومة.
الرواتب بالعملة المحلية و النفقات بالدولار
تطرّق بعض المتابعين في رسائلهم إلى “إيران إنترنشنال” إلى الفجوة بين الأجور وتكاليف المعيشة.
وجاء في إحدى الرسائل: “في إيران، ارتفاع الأسعار لا علاقة له بزيادة الأجور. الرواتب بالعملة المحلية، لكن النفقات بالدولار”.
وكتب مواطن آخر: “كل السلع ترتفع أسعارها، والرواتب تبقى منخفضة، والدخل لا يكفي حتى لتأمين أبسط الاحتياجات”.
وأدى الارتفاع الواسع في أسعار البنزين في نوفمبر 2019، والذي أُعلن عنه بشكل مفاجئ، إلى احتجاجات واسعة، وقمع حكومي، ومقتل ما لا يقل عن 1500 مواطن.
ومنذ تلك الأحداث، تعاملت الحكومات في إيران بحذر أكبر مع ملف تسعير الوقود، وبقي رفع أسعار البنزين أحد أكثر القضايا الاقتصادية والاجتماعية حساسية.
وتضمّنت الرسائل أيضًا روايات عن ضغوط إضافية على العاملين في الخدمات العامة.
وكتب معلم يعمل في قرية نائية: “أذهب يوميًا إلى المدرسة بسيارتي الخاصة دون أن أتقاضى بدلًا. مع بنزين بخمسة آلاف تومان للتر، أدفع نحو تسعة ملايين تومان شهريًا للبنزين فقط؛ أي ما يعادل ثلاثة أرباع راتبي”.
وأضاف: “كثير من الزملاء يفكرون في الاستقالة”.
إنهاك اجتماعي ويأس واسع
إلى جانب القضايا الاقتصادية، عكست كثير من الرسائل إنهاكًا نفسيًا ويأسًا عميقًا.
وكتب أحد المواطنين: “الأوضاع أصبحت فوضوية إلى حد أننا لم نعد نملك أي أمل في التحسن”.
وجاء في رسالة أخرى: “الغلاء أصبح بالثواني. لم يعد الأمر مجرد شكوى، 90 في المئة من المواطنين غارقون في الأزمات”.
وفي الأيام الأخيرة، انتقد مستخدمو مواقع التواصل الاجتماعي تنفيذ خطة البنزين ثلاثي التسعير، معتبرين أن المواطنين باتوا يمولون نفقات الحكم.
وأشار بعض المتابعين أيضًا إلى اعتياد المواطنين على الضغوط. وكتب أحدهم: “المواطنون تأقلموا مع القسوة. يكافحون بصمت.”
وبالنسبة لكثير من المواطنين، بات ارتفاع أسعار البنزين رمزًا لاستمرار مسار، يقولون إنه أدى إلى تقلّص الموائد، وتآكل القدرة الشرائية، والضغط على المهن الخدمية، وتفشي اليأس الاجتماعي.
وبحسب قول عدد من المتابعين، فإن هذا المسار لا يمكن تعويضه في الظروف الحالية، في ظل الأجور المتدنية وضعف الدعم المعيشي.