معهد إيطالي: طهران تسعى إلى إنتاج رؤوس نووية مُدمجة قابلة للتركيب على الصواريخ

كتب معهد دراسات السياسة الدولية الإيطالي، في تقريرٍ له، أن إيران وجّهت برنامجها النووي نحو إنتاج رؤوس نووية مُدمجة قابلة للتركيب على الصواريخ.

كتب معهد دراسات السياسة الدولية الإيطالي، في تقريرٍ له، أن إيران وجّهت برنامجها النووي نحو إنتاج رؤوس نووية مُدمجة قابلة للتركيب على الصواريخ.
وبحسب التقرير، الذي نُشر يوم الأربعاء 24 ديسمبر (كانون الأول)، فإن حسابات الردع لدى طهران تغيّرت بعد حرب الـ 12 يومًا مع إسرائيل، ما أدى إلى تركيز جديد على القدرات النووية.
وأشار التقرير إلى أن المرشد الإيراني، علي خامنئي، وقبل حرب الـ 12 يومًا، كان معارضًا لتخصيب اليورانيوم حتى مستوى 90 في المائة وتطوير رؤوس نووية قابلة للحمل، رغم الضغوط الداخلية، ولا سيما من الحرس الثوري.
وأكدت المصادر، التي استند إليها التقرير، أنه حتى ذلك الوقت لم يكن قد اتُّخذ قرار نهائي بصنع سلاح نووي.
وأشار معدّو التقرير إلى أن إيران كانت تمتلك، حتى يونيو (حزيران) الماضي، نحو 441 كيلوغرامًا من اليورانيوم المخصّب بنسبة 60 في المائة. ووفق الوكالة الدولية للطاقة الذرية، فإن هذه الكمية قادرة تقنيًا على إتاحة إمكانية تصنيع قنبلة نووية.
ولكن التقرير يوضح أن إنتاج رؤوس نووية مُصغّرة لا يزال غير ممكن لإيران؛ وهي الرؤوس التي يمكن استخدامها مع صواريخ بعيدة المدى، مثل صاروخ "خرمشهر" الذي يبلغ مداه نحو ألفي كيلومتر، وتصل قدرته الحملية إلى قرابة طنين.
وبحسب التقرير، فإن رفع مستوى التخصيب من 60 إلى 90 في المائة، في حال تشغيل أجهزة طرد مركزي متطورة، لا يستغرق سوى بضعة أسابيع، إلا أن هذه الخطوة لم تُقدم عليها إيران قبل الحرب.
انكشاف نقاط الضعف في إيران
اعتبر المعهد الإيطالي، في جزء آخر من التقرير، أن حرب الـ 12 يومًا مع إسرائيل شكّلت نقطة تحوّل لطهران، إذ كشفت عن ضعف منظومات الدفاع الإيرانية وحدود الردع غير النووي.
وأوضح التقرير أنه رغم أن الصواريخ متوسطة المدى الإيرانية لعبت دورًا رئيسًا في التوصل إلى وقف إطلاق النار، فإن عددًا كبيرًا من الصواريخ ومنصات الإطلاق تعرّض للاستهداف في الوقت نفسه.
وبحسب التقييم الجديد في طهران، فإن القدرات الصاروخية الإيرانية قد لا تصمد سوى لأسابيع قليلة في حال تدخل أميركي واسع.
ومن هنا خلص معدّو التقرير إلى أن قطاعًا من الحُكم في إيران يرى أن "السلاح النووي هو الرادع الفعّال الوحيد" في مواجهة إسرائيل وحلفائها.
وكان المتحدث باسم هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة الإيرانية، أبو الفضل شكارجي، قد أعلن في 17 ديسمبر الجاري، أن خطوط إنتاج الصواريخ لم تتوقف بعد "حرب الـ 12 يومًا"، مؤكدًا أن القوات المسلحة خلصت إلى ضرورة الاعتماد على القدرات المحلية في مجالات الصواريخ والمعدات الدفاعية.
موافقة مبدئية وتعاون خارجي محتمل
أشار التقرير، نقلاً عن مصادر في طهران، إلى أن المرشد الإيراني، علي خامنئي، وافق في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، على بدء تطوير رؤوس نووية صغيرة للصواريخ الباليستية، دون إصدار ترخيص رسمي لتخصيب اليورانيوم بأكثر من 60 في المائة.
وفي ختام التقرير، تطرّق المعهد إلى إمكانية حصول طهران على دعم خارجي، موضحًا أن الصين وروسيا تعارضان تحوّل إيران إلى دولة نووية، كما أن باكستان لا تبدي دافعًا للتعاون في هذا المجال.
وبناءً على ذلك، اعتُبرت كوريا الشمالية الخيار الأكثر احتمالًا للتعاون الفني.
ومع ذلك، شدد التقرير على أنه رغم تزايد التعاون الصاروخي بين طهران وبيونغ يانغ في السنوات الأخيرة، لم تُرصد حتى الآن أي أدلة قاطعة على نقل تكنولوجيا الرؤوس النووية من كوريا الشمالية إلى إيران.
وفي 20 ديسمبر الجاري، وصف نائب رئيس منظمة الطاقة الذرية الإيرانية والمتحدث باسمها، بهروز كمالوندي، صنع القنبلة الذرية بأنه "أسهل عمل" بالنسبة لطهران، مضيفًا: "وصلنا في الملف النووي إلى عتبة القدرة، ونحن في مرحلة لم يعد فيها أي غموض".

أعلن مكتب التحقيقات الفيدرالي الأميركي "FBI"، أنها تبحث عن شخص يُدعى سعيد توكلي، بعد نشر صور ومعلومات جديدة عنه، وعرّفته على أنه قائد الوحدة "11000" في الحرس الثوري الإيراني، والمسؤول عن توجيه شبكة عمليات اغتيال تابعة لفيلق القدس استهدفت أهدافًا إسرائيلية ومسؤولين أميركيين.
وطلب "إف بي آي"، يوم الاثنين 22 ديسمبر (كانون الأول)، من المواطنين التعاون وتقديم أي معلومات تتعلق بمكان إقامة توكلي أو أنشطته.
ووفقًا للشرطة الفدرالية الأميركية، فإن توكلي هو قائد الوحدة المعروفة باسم "11000"، وهي وحدة تقول السلطات الأميركية إنها مسؤولة عن التخطيط والإشراف الاستخباراتي والعملياتي على شبكة الاغتيالات التابعة لفيلق القدس في الحرس الثوري، والتي استهدفت أهدافًا إسرائيلية، إضافة إلى مسؤولين حاليين وسابقين في حكومة الولايات المتحدة داخل أوروبا والولايات المتحدة.
ارتباط بمحاولات اغتيال فاشلة في عدة دول
وبحسب المعلومات المنشورة، فقد لعب توكلي دورًا محوريًا في عدد من مخططات الاغتيال المرتبطة بالنظام الإيراني، لكنها أُحبطت في مراحل مختلفة.
وشملت هذه العمليات مخططات في أستراليا واليونان وألمانيا والمكسيك، حيث تؤكد تقييمات أجهزة أمنية غربية أنها كُشفت وأُوقفت قبل تنفيذها.
كما أعلن "إف بي آي" أن توكلي كان ينشط ضمن شبكة هدفت إلى تنفيذ عمليات "دون بصمة مباشرة للنظام الإيراني"، وهي شبكة اعتمدت على تفويض العمليات، واستخدام عناصر خارجية، وواجهات غير رسمية لإخفاء دور طهران.
“سردار عمار".. الهوية السرية لسعيد توكلي
خلصت الأجهزة الاستخباراتية الأميركية إلى أن توكلي هو في الواقع الشخص المعروف بالاسم الحركي "سردار عمار"، أحد القادة البارزين في فيلق القدس التابع للحرس الثوري، والذي تُدار أنشطته بشكل مباشر تحت إشراف إسماعيل قاآني، قائد فيلق القدس.
وكان مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، قد أعلن عبر بيان صدر في 26 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، نيابةً عن جهاز الاستخبارات والعمليات الإسرائيلي (الموساد)، أن قائد "شبكة الاغتيالات التابعة للنظام الإيراني" في الدول الغربية هو شخص يُعرف باسم "سردار عمار".
واتهم بيان مكتب رئاسة الوزراء الإسرائيلية إيران بمحاولة الإفلات من المساءلة منذ سنوات عبر أساليب مختلفة، من بينها الاستعانة بمرتزقة أجانب ومجرمين لتنفيذ هجمات إرهابية.
وأكد البيان أن «إحباط عدد من عمليات النظام في دول مختلفة وكشف هوية قائد وحدة 11000، أدّى إلى فشل هذا التكتيك».
التركيز على عمليات خارجية بلا بصمة رسمية
بحسب التقييمات الأمنية، تمثلت المهمة الأساسية لهذه الشبكة في تنفيذ هجمات موجهة خارج إيران بطريقة تتيح للنظام الإيراني إنكار أي دور رسمي له.
ووفقًا لـ "إف بي آي"، شملت هذه الاستراتيجية استخدام عناصر غير حكومية، وواجهات إجرامية، ومسارات مالية ولوجستية غير مباشرة لإخفاء مصدر العمليات وداعميها.

وصف رئيس منظمة الطاقة الذرية الإيرانية، محمد إسلامي، المديرَ العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية، رافائيل غروسي، بأنه "جزء من العدو"، منتقدًا مواقفه بشأن ضرورة تفتيش المواقع النووية التي تعرّضت للقصف.
وجاءت تصريحات إسلامي، يوم الأربعاء 24 ديسمبر (كانون الأول)، ردًا على تصريح غروسي الأخير عن عدم تمكّن الوكالة من الوصول إلى منشآت "نطنز وفوردو وأصفهان" النووية الإيرانية؛ حيث قال: "إذا كان هناك بروتوكول لتفتيش المنشآت، التي تعرّضت لهجوم، فليُعلنه. مثل هذا الأمر غير منصوص عليه في اتفاقات الضمانات".
وأضاف أن آلية تفتيش الوكالة للمواقع التي استُهدفت خلال الحرب التي استمرت 12 يومًا "يجب تعريفها".
إسلامي: إذا كانت المنشآت قد دُمّرت.. فلماذا التفتيش؟
وفي سياق متصل، كرر رئيس منظمة الطاقة الذرية الإيرانية مواقف سابقة للمسؤولين الإيرانيين، مؤكدًا منع عمليات تفتيش الوكالة في المرحلة الراهنة.
وقال إسلامي: "ما الذي يريدون تفتيشه في منشآت يقولون هم أنفسهم إنها دُمّرت؟".
وخلال الأيام الأخيرة، تصاعدت التكهنات بشأن مصير البرنامج النووي الإيراني، وردود الفعل المحتملة من أميركا وإسرائيل و"الترويكا" الأوروبية.
وفي 23 ديسمبر الجاري، انتهت جلسة مجلس الأمن الدولي المخصصة لبحث الملف النووي الإيراني بتجدد التراشق بين ممثلة الولايات المتحدة الأميركية، مورغان أورتاغوس، ومندوب إيران لدى المنظمة الدولية، أمير سعيد إيرواني.
وردت أورتاغوس، على تصريحات إيرواني، قائلة: "تخصيب اليورانيوم داخل إيران غير مقبول بأي شكل من الأشكال".
وكان غروسي قد قال، في مقابلة مع وكالة "ريا نوفوستي" الروسية، يوم الاثنين 22 ديسمبر الجاري، إن الوكالة الدولية للطاقة الذرية تعتقد أن القسم الأكبر من مخزون إيران من اليورانيوم عالي التخصيب لا يزال داخل أراضيها.
كما صرّح، في 15 ديسمبر الجاري أيضًا، بأن أنشطة الوكالة في إيران "محدودة للغاية"، وأنه يجب السماح لمفتشيها بالوصول إلى المنشآت النووية الأساسية في "نطنز وفوردو وأصفهان".
وخلال الأشهر الأخيرة، ولا سيما بعد حرب الـ 12 يومًا، وجّه عدد من مسؤولي النظام الإيراني انتقادات حادة إلى غروسي؛ إذ وصفه بعضهم بـ "عميل الموساد"، فيما طالبت صحيفة "كيهان"، الخاضعة لإشراف ممثل المرشد الإيراني، علي خامنئي، بإعدامه بتهمة "التجسس" لصالح إسرائيل.
وفي 13 ديسمبر، وصف غروسي تهديدات المسؤولين الإيرانيين ضده بأنها "بالغة الضرر"، وقال: "للأسف ما زلتُ تحت حماية أمنية، لأن خبراء هذا المجال يعتبرون هذه التهديدات حقيقية وموثوقة”.
وكان الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، قد أعلن مرارًا أن البرنامج النووي للنظام الإيراني "دُمّر" عقب الضربات الأميركية، التي استهدفت مواقع نطنز وفوردو وأصفهان خلال "حرب الـ 12 يومًا".
إلا أن بعض المراقبين يرون أنه، رغم الخسائر الجسيمة التي ألحقتها تلك الضربات، فإنها لم تقضِ بالكامل على البرنامج النووي لطهران.
وفي 18 ديسمبر، أفاد معهد العلوم والأمن الدولي، استنادًا إلى صور أقمار صناعية، بأن طهران تحاول إخفاء بقايا موقع نطنز عن أعين المراقبين.
وخلال الأيام الأخيرة، تحدثت تقارير عن احتمال شن إسرائيل هجومًا جديدًا على إيران.
وذكرت شبكة "إن بي سي نيوز"، في 20 ديسمبر الجاري، أن مسؤولين إسرائيليين يعتقدون أن طهران تعمل على توسيع برنامج الصواريخ الباليستية، ولذلك سيعرض رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، خلال لقائه المرتقب مع الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، خيارات لانضمام واشنطن إلى إسرائيل في أي هجوم محتمل على إيران.
كما قال السيناتور الجمهوري البارز، ليندسي غراهام، يوم الأحد 21 ديسمبر الجاري، أثناء زيارته لإسرائيل، إنه إذا تبيّن أن إيران استأنفت تخصيب اليورانيوم وزادت إنتاج الصواريخ الباليستية لتهديد إسرائيل وحتى أوروبا، "فينبغي ضربها قبل تحقيق هذه الخطوات".

مع اقتراب نهاية عام 2025، بات الخلاف بين الولايات المتحدة وإسرائيل حول كيفية وتوقيت احتواء البرنامج النووي الإيراني أكثر وضوحًا؛ وهو خلاف نابع من تباينات في التقييمات الأمنية، والقيود السياسية، والبعد الجغرافي، وقد يؤدي- بحسب محللين- إلى زيادة مخاطر اندلاع مواجهة أوسع في المنطقة.
وكتبت صحيفة «جيروزاليم بوست»، في تحليل نشرته يوم الثلاثاء 23 ديسمبر (كانون الأول)، أن المسؤولين الإسرائيليين والأميركيين، رغم وصولهم إلى معطيات استخباراتية متشابهة حول الأنشطة الإيرانية الأخيرة، فإنهم يفسّرون هذه المعلومات ضمن «جداول زمنية» مختلفة.
ومن وجهة النظر الإسرائيلية، فإن القرب الجغرافي من إيران، إضافة إلى وكلاء النظام الإيراني في لبنان وسوريا والعراق، يقلّص هامش اتخاذ القرار إلى دقائق.
وحذّر مسؤولون أمنيون إسرائيليون من أن الأنشطة الصاروخية الأخيرة لطهران، التي تُقدَّم على أنها مناورات، قد تكون جزءًا من استعدادات عملياتية؛ وهو نمط سبق أن استخدمته إيران عبر التطبيع التدريجي لتحركات خطِرة.
وتزايدت هذه الحساسية بعد هجوم حركة حماس على إسرائيل في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023.
ويرى كثيرون في إسرائيل أن الردع، والضغط الاقتصادي، والمسارات الدبلوماسية لم تنجح في منع عنصر المفاجأة أو الخسائر الواسعة.
وقد أدّت هذه التجربة إلى التعامل مع أي تحرك إيراني، حتى دون تجاوز رسمي للخطوط الحمراء المعلَنة، على أنه تهديد فوري.
التقييم الأميركي
وبحسب «جيروزاليم بوست»، تعتمد واشنطن في المقابل تقييمًا أوسع. فالمسؤولون والمحللون الأميركيون يقرّون بالتقدم التقني لإيران، لكنهم يختلفون حول نوايا طهران: هل اتخذت قرارًا سياسيًا بصناعة سلاح نووي، أم أنها تحافظ على الغموض لتعزيز قدرتها على المساومة؟
كما تأخذ الولايات المتحدة في الحسبان تداعيات أوسع من الساحة الإسرائيلية، من بينها خطر استهداف القوات الأميركية، وتعطيل البنى التحتية للطاقة في الخليج، وإحداث صدمة في الأسواق العالمية.
وفي الداخل الأميركي، ارتبطت هذه الخلافات أيضًا بالانقسامات السياسية. فبعض الجمهوريين يؤكدون أن الردع لا يكون فاعلاً إلا إذا اقتنعت إيران بأن الولايات المتحدة مستعدة للتحرك الفوري.
في المقابل، يشدد آخرون- مع دعمهم لحق إسرائيل في الدفاع عن نفسها- على ضرورة حصر الدور العسكري الأميركي وعدم إرسال قوات برية.
وفي الوقت نفسه، شكّك عدد من المشرّعين الأميركيين، استنادًا إلى الدستور، في أي عمل عسكري يتم من دون تفويض من "الكونغرس".
كما أعرب الديمقراطيون عن مخاوف مماثلة، محذرين من أن الخطوات الأحادية قد تجرّ الولايات المتحدة إلى صراع أعمق.
ومن جانب آخر، يصف المسؤولون الإيرانيون موقفهم بأنه دفاعي وغير قابل للتفاوض، ويؤكدون أن البرنامج الصاروخي الإيراني ليس موضوعًا للحوار؛ وهو موقف يتعارض مباشرة مع تعريف التهديد لدى إسرائيل وشريحة واسعة من صناع القرار الأميركيين.
وفي إسرائيل، ورغم وجود إجماع واسع حول طبيعة التهديد الإيراني، فإن الخلاف قائم بشأن كيفية إدارته.
وبحسب ما كتبت «جيروزاليم بوست»، يحذّر محللون من أن الخطر الحقيقي لا يكمن في اختلاف وجهات النظر بحد ذاته، بل في غياب التنسيق الزمني: إذ تتحرك إسرائيل والولايات المتحدة وإيران كلٌّ وفق حساباته الخاصة، غير أن هذه القرارات قد تقود إلى نتائج لم يقصدها أي طرف بالكامل.
ويؤكد هؤلاء أن التحدي الأساسي أمام واشنطن وتل أبيب هو تنسيق الردع، بما يمنع التقدم الاستراتيجي لإيران، ويحول في الوقت نفسه دون انزلاق المنطقة إلى حلقة غير قابلة للسيطرة من التوتر والصراع.

طلب المجلس الأعلى للأمن القومي في إيران وسائل الإعلام المحلية، عبر توجيهٍ رسمي، بالامتناع عن نشر ما وصفه بـ "الأخبار الموجّهة والكاذبة والمحرّفة" ضد فنزويلا.
وجاء في هذا التوجيه، الذي حصلت "إيران إنترناشيونال" على نسخة منه، أنه مع الإشارة إلى "أشدّ الضغوط الاقتصادية والعسكرية والنفسية التي تمارسها حكومة الولايات المتحدة على حكومة فنزويلا"، خلال الأسابيع والأشهر الأخيرة، فإن وسائل الإعلام الغربية "وفي إطار سياسة ممارسة أقصى الضغوط على حكومة وشعب فنزويلا"، تسعى إلى "شنّ حرب نفسية عبر النشر الواسع لأخبار موجّهة، وأحيانًا كاذبة أو محرّفة، ضد فنزويلا".
ولم يتضمن التوجيه الجديد للمجلس الأعلى للأمن القومي، الذي يترأسه مسعود بزشكيان رئيس إيران، أمثلة محددة لما سمّاه "الحرب النفسية".
وأشار المجلس إلى ما وصفه بـ "تصميم أميركي لعمليات نفسية واسعة" ضد فنزويلا و"استخدام أخبار مزيفة وكاذبة للتأثير في هذا الملف"، مطالبًا مديري ورؤساء تحرير وسائل الإعلام بـ "اتخاذ الحيطة اللازمة، والتحقق من صحة الأخبار قبل نشرها، وتجنّب إبراز خطوط إخبارية تُكمل مسار العمليات النفسية الأميركية الرامية إلى إضعاف حكومة وشعب فنزويلا".
ولطالما أصدر المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني، على مدى السنوات والعقود الماضية، توجيهات إلى وسائل الإعلام طالب فيها بفرض الرقابة على الأخبار والتقارير، أو بنشر محتوى منسجم مع سياسات النظام في إيران والمنطقة والعالم.
وقد وصلت إلى "إيران إنترناشيونال" نسخ بعض هذه التوجيهات، من بينها توجيه للمجلس بشأن تغطية خطاب الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، في "الكنيست" (البرلمان) الإسرائيلي.
وكان المجلس قد طلب وسائل الإعلام، في تغطية خطاب ترامب، بتجنّب "القراءات المتفائلة" و"الحماسة الإعلامية"، وتحليل مواقفه في إطار "سلوكياته العدائية السابقة".
وأكد التوجيه، الذي صدر مساء الاثنين 13 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، أن الهدف هو منع ما سماه "الحرب النفسية للعدو" و"إدارة انطباعات الرأي العام بشأن أي تغيير محتمل في نهج الولايات المتحدة".
العلاقات الوثيقة بين إيران وفنزويلا
تعود العلاقات الوثيقة بين إيران وفنزويلا إلى سنوات طويلة، منذ تولّي الرئيس السابق، هوغو تشافيز، قيادة فنزويلا.
وقد علّق المرشد الإيراني، علي خامنئي، في الأيام الأخيرة على حملة الضغط الأخيرة التي تقودها إدارة الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، ضد رئيس فنزويلا الحالي، نيكولاس مادورو.
ومن بين مواقفه إدانة توقيف ناقلة نفط في البحر الكاريبي من قِبل خفر السواحل الأميركي.
كما قال الرئيس الإيراني، مسعود بزشكيان، قبل نحو ثلاثة أسابيع، في اتصال هاتفي مع مادورو: "إن طهران تعتبر فنزويلا صديقًا وحليفًا حقيقيًا لها، وستدعم هذا البلد في جميع الظروف، ولا سيما في الوضع الحساس الراهن".
وقد وقّعت كاراكاس وطهران اتفاقية تعاون ثنائي لمدة 20 عامًا، عام 2022.
ولا تقتصر علاقات البلدين على السياسة والاقتصاد فحسب، بل تشمل أيضًا تعاونًا عسكريًا. وفي هذا السياق، أُشير إلى تقارير عن تعاونٍ لمدة 25 عامًا بين إيران وفنزويلا أدى إلى إنتاج طائرات مُسيّرة وصواريخ مستنسخة.
وكتب "معهد واشنطن" قبل نحو ثلاثة أعوام أن إيران وفنزويلا بدأتا تعاونهما في مجال الطائرات المُسيّرة منذ مطلع العقد الأول من الألفية، وتطوّر هذا التعاون إلى حدّ قيام طهران عام 2012 بإنشاء خط إنتاج للطائرات المُسيّرة في فنزويلا.
إضافة إلى ذلك، عندما واجهت صناعة النفط الفنزويلية حالة تآكل عام 2020، كانت طائرات عديدة تُسيّر من طهران إلى فنزويلا، تنقل خبراء لإصلاح هذه الصناعات، وتعود في طريق الرجوع محمّلة بسبائك من الذهب.
وفي السياق نفسه، نُشرت قبل نحو ثلاثة أعوام وثيقة صادرة عن شركة التأمين البحري "لويدز"، أفادت بأن إيران وحزب الله اللبناني كانا يموّلان حزب الله وفيلق القدس التابع للحرس الثوري عبر تجارة غير قانونية للذهب من فنزويلا إلى طهران وتركيا.
وذكرت صحيفة "واشنطن فري بيكون"، يوم الثلاثاء 23 ديسمبر (كانون الأول)، نقلاً عن مصادر مطلعة، أن حزب الله، بعد تراجع الدعم من إيران، اتجه إلى تهريب المخدرات في فنزويلا لتأمين موارده المالية، ووسّع حضوره في هذا البلد.
وأضافت الصحيفة، نقلًا عن المصادر نفسها، أنه عقب النجاحات العسكرية لإسرائيل ضد إيران ووكلائها، اتجهت قوات حزب الله بشكل متزايد إلى فنزويلا، واعتمدت أكثر من أي وقت مضى على تهريب المخدرات لتأمين الدخل.
وتتابع الولايات المتحدة هذا التعاون الوثيق بين البلدين بدقة كبيرة. وفي هذا الإطار، قال وزير الخارجية الأميركي، ماركو روبيو، في مقابلة مع شبكة "فوكس نيوز"، يوم الثلاثاء 2 ديسمبر الجاري: "حكم مادورو ليس حكمًا شرعيًا. ما هو قائم عبارة عن منظمة عبور".
وأضاف: "هذا الحكم قاعدة نفوذ للنظام الإيراني. ولا يُقال هذا بما يكفي".
وتابع روبيو: "إن النظام الإيراني، والحرس الثوري، وحتى حزب الله، لهم حضور في أميركا الجنوبية، وفنزويلا من أهم قواعدهم".
وقال: "المكان الذي رفعوا فيه (إيران) علمهم في نصف الكرة الغربي لدينا، بتعاون كامل وعلني من حكومة ذلك البلد، هو أرض فنزويلا".
وأفادت شبكة "فوكس نيوز" الإخبارية، في 6 ديسمبر الجاري، بأن تشديد إدارة ترامب الضغوط على نيكولاس مادورو يأتي ضمن استراتيجية أوسع لواشنطن تهدف إلى إضعاف النفوذ العالمي لروسيا، والإقصاء التدريجي للحكومات التابعة لموسكو، ومن بينها النظام الإيراني.
وفي المقابل، أعلن وزير الخارجية الإيراني، عباس عراقجي، دعم بلاده لحكومة فنزويلا، ردًا على الضغوط الأميركية المتزايدة على مادورو.
وجاء وصف عراقجي لحكومة مادورو بأنها "حكومة منتخبة"، رغم اتهامها بتزوير واسع في الانتخابات الرئاسية للعام الماضي، ومعاناتها أزمة شرعية دولية.
ولا يعترف عدد من أطراف المجتمع الدولي، من بينهم الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وبعض دول أميركا اللاتينية، بالحكومة الحالية في كاراكاس.

أفادت مجلة "واشنطن فري بيكن" نقلًا عن مصادر مطلعة أن حزب الله، عقب تراجع الدعم الإيراني، اتجه إلى تهريب المخدرات في فنزويلا لتأمين موارده المالية، ووسّع من حضوره في هذا البلد.
وكتبت المجلة، نقلًا عن مصادر مطلعة، أنه بعد النجاحات العسكرية التي حققتها إسرائيل ضد إيران ووكلائها، اتجهت قوات حزب الله بشكل متزايد إلى فنزويلا، واعتمدت أكثر من أي وقت مضى على تهريب المخدرات كمصدر للدخل.
وقال مارشال بيلينغسليا، نائب وزير الخزانة الأميركي السابق لشؤون تمويل الإرهاب، في أكتوبر الماضي، خلال جلسة استماع للجنة الدولية لمكافحة المخدرات في مجلس الشيوخ الأميركي، إن أكثر من 400 قائد ميداني في حزب الله تلقوا أوامر بالانتقال إلى أميركا اللاتينية، وتحديدًا إلى فنزويلا. وقد انضم هؤلاء القادة إلى نحو 11 ألف عنصر تابع لحزب الله دخلوا فنزويلا بين عامي 2010 و2019.
وبحسب واشنطن فري بيكن، ورغم أن هذه الجماعة المدعومة من إيران استفادت لسنوات من استضافة الحكومة الفنزويلية، فإن التركيز المتزايد على تهريب المخدرات يدل على أن حزب الله يسعى إلى تأمين موارده المالية خارج إيران.
ووفقًا لمصادر مطلعة على وجود حزب الله في أميركا اللاتينية، كانت إيران تقدم سنويًا أكثر من 700 مليون دولار لحزب الله، وهو ما كان يشكل نحو 70% من ميزانيته السنوية، إلا أنها لم تعد قادرة على توفير التمويل الكافي للحفاظ على هذا الوكيل.
وأفادت قناة «كان» الإسرائيلية، يوم الاثنين الماضي، أن مسؤولي حزب الله اللبناني طالبوا خلال مفاوضات حديثة مع قادة فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني بزيادة الدعم المالي الإيراني إلى نحو ملياري دولار سنويًا، إلا أن طهران وافقت فقط على دفع ما يقارب مليار دولار لأهم وكلائها.
وقال ماثيو ليفيت، المحلل السابق في وزارة الخزانة الأميركية لشؤون تمويل الإرهاب والباحث البارز الحالي في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، لـواشنطن فري بيكن، إن إيران «على ما يبدو لم تعد قادرة، بسبب حرب الأيام الاثني عشر، وعودة عقوبات إدارة ترامب، وأزمات الطاقة والمياه المستمرة منذ أشهر في إيران، على تحمل تكاليف إعادة إعمار حزب الله كما فعلت بعد حرب 2006 مع إسرائيل».
وأضاف أن حزب الله، ردًا على هذا الوضع، بات يعتمد بشكل متزايد على تجارة المخدرات.
ويتمثل النشاط الرئيسي لحزب الله في هذا المجال في ما يُعرف بـ«الكوكايين الأسود»، وهي مادة تُشكَّل على هيئة قوالب تشبه الفحم، بهدف تفادي رصدها من قبل الأجهزة الأمنية.
وبحسب واشنطن فري بيكن، تُستخدم عائدات بيع هذه المخدرات في تمويل العمليات الإرهابية العالمية لحزب الله، في حين تحصل الحكومة الفنزويلية أيضًا على حصة من هذه العائدات، ما يسهم في بقائها.
وتشير تقديرات إدارة مكافحة المخدرات الأميركية (DEA) عام 2016 إلى أن حزب الله ينقل سنويًا ما يصل إلى 400 مليون دولار من الكوكايين عبر شبكات إجرامية في أميركا اللاتينية. ووفقًا لتقرير صادر عن مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات، فمن المرجح أن يكون هذا الرقم قد ازداد بعد الحرب مع إسرائيل.
ويتزامن تنامي دور حزب الله في تجارة المخدرات مع تشديد الإجراءات الأميركية لمكافحة التهريب في المنطقة. فمنذ خريف هذا العام، بدأت إدارة ترامب، في إطار ما تصفه بـ«نزاع مسلح غير دولي» مع الكارتلات، شنّ هجمات على قوارب تهريب المخدرات، بعد أن صنّفت الولايات المتحدة هذه الكارتلات «منظمات إرهابية أجنبية».
وقال مسؤولون أميركيون حاليون وسابقون إنهم على علم بتزايد أنشطة حزب الله في فنزويلا. وصرّح ماركو روبيو، وزير الخارجية الأميركي، في أوائل ديسمبر، بأن فنزويلا تحولت إلى مركز لأنشطة النظام الإيراني في نصف الكرة الغربي.
وقال روبيو: «النظام الإيراني، والحرس الثوري الإيراني، وحتى حزب الله، لهم وجود في أميركا الجنوبية، وأحد قواعدهم الرئيسية، ولا سيما للإيرانيين، هو فنزويلا. المكان الذي رفعوا فيه علمهم في نصف كرتنا هو الأراضي الفنزويلية».
كما أشار ويليام بار، المدعي العام الأميركي السابق، في مقابلة عبر بودكاست يوم الجمعة، إلى دور حزب الله في تهريب المخدرات.
وقال بار: «فنزويلا عدو استراتيجي وتهديد للولايات المتحدة. إنها قاعدة لحزب الله، وتدعمه، وتلعب دورًا في تسهيل تهريب مخدرات حزب الله إلى داخل الولايات المتحدة عبر مختلف الأنشطة، من غسل الأموال إلى صفقات أخرى».
ووصف فنزويلا بأنها «مرساة حزب الله في نصف كرتنا».
وفي الوقت الذي يتحدث فيه المسؤولون الأميركيون عن دور حزب الله في تهريب المخدرات في فنزويلا، علّق علي خامنئي، المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية، أيضًا على حملة الضغط الأخيرة التي شنتها إدارة ترامب ضد نيكولاس مادورو، رئيس فنزويلا. وقد أدان خامنئي، في خطاب علني الأسبوع الماضي، مصادرة ناقلة نفط في البحر الكاريبي من قبل إدارة ترامب.
ومع ذلك، يرى مايكل روبين، الباحث البارز في معهد «أميركان إنتربرايز»، أن الشراكة بين فنزويلا وإيران ووكلائها لا تقتصر على الجانب المالي فحسب، بل لها جذور أيديولوجية أيضًا.
وقال روبين لـواشنطن فري بيكن: «إن الثورة الإسلامية عام 1979 بقيادة روح الله الخميني في إيران كانت، بقدر ما كانت ثورة إسلامية، ثورة يسارية أيضًا. وفي الواقع، قام تحالفه بأكمله على دمج هذين التوجهين. وبعد 46 عامًا، إذا رسمنا مخطط التداخل المعادي لأميركا، سنرى تداخلًا ملحوظًا بين الجماعات الشيعية المسلحة مثل حزب الله، والدول الاشتراكية مثل فنزويلا».
كما يؤكد هذا الرأي الاتصال الهاتفي الذي أُعلن عنه في 9 ديسمبر بين مادورو و الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان.
وقال بزشكيان خلال الاتصال: «إن الجمهورية الإسلامية تعتبر فنزويلا صديقًا وحليفًا حقيقيًا لها، وستدعم هذا البلد في جميع الظروف، ولا سيما في الوضع الحساس الراهن».
