إرث إيران في دمشق.. نظام الأسد لاحق ثلث السوريين بملفات أمنية

أعلن المتحدث باسم وزارة الداخلية السورية، نورالدين البابا، أن نظام بشار الأسد، الذي كان مواليًا لإيران، شكّل ملفات أمنية لنحو ثلث سكان سوريا البالغ عددهم نحو 24 مليون نسمة.

أعلن المتحدث باسم وزارة الداخلية السورية، نورالدين البابا، أن نظام بشار الأسد، الذي كان مواليًا لإيران، شكّل ملفات أمنية لنحو ثلث سكان سوريا البالغ عددهم نحو 24 مليون نسمة.
وقال البابا، خلال مؤتمر صحافي عقده اليوم السبت 24 مايو (أيار) في العاصمة السورية دمشق: "إن الأجهزة الأمنية والاستخباراتية التابعة لحكومة الأسد كانت تلاحق أكثر من 8 ملايين مواطن سوري لأسباب سياسية".
وأضاف: "نحن نتحدث عما يقارب ثلث الشعب السوري، الذين خضعوا للمراقبة والملاحقة الأمنية من قًبل أجهزة النظام القمعية بسبب أسباب تتعلق بالأمن السياسي".
وفي المؤتمر الصحافي ذاته، أعلن المتحدث باسم وزارة الداخلية السورية إنشاء إدارة خاصة بشؤون السجون والإصلاح، تهدف إلى تطبيق معايير حقوق الإنسان.
وأكدت الحكومة السورية الانتقالية مرارًا عزمها على إعادة بناء المؤسسات العامة والبنية التحتية المتهالكة، إضافة إلى تشكيل لجان لبحث قضية المفقودين وتحقيق العدالة الانتقالية.
وقد شددت منظمات حقوق الإنسان والمجتمع الدولي على أهمية تحقيق العدالة الانتقالية في سوريا بعد الحرب.
لكن تبقى المخاوف قائمة بشأن أوضاع حقوق الإنسان، خاصة فيما يتعلق بالأقليات الدينية مثل الدروز والعلويين.
وبعد اندلاع الحرب الأهلية السورية عام 2011 وقمع الاحتجاجات السلمية المناهضة لنظام الأسد، وقع ملايين السوريين في قبضة الأجهزة الأمنية، وتعرضوا لمحاكمات سياسية وانتهاكات جسيمة لحقوقهم.
وفي تلك الفترة، وُجّهت إلى كثير من المواطنين تهم المشاركة في المظاهرات أو الترويج لها، و"إضعاف هيبة الدولة"، والتواصل مع جهات أجنبية، أو تمويل ودعم "الإرهاب"، وهو المصطلح الذي استخدمه الأسد لوصف جميع المعارضين والمتمردين على حكمه.
إطلاق سراح معتقلين سياسيين بعد سقوط النظام
قُتل مئات الآلاف واعتُقل عشرات الآلاف خلال سنوات الحرب ضد النظام السوري، وتعرض الكثير منهم للتعذيب، بينما لا يزال آلاف المفقودين مجهولي المصير.
وفي 9 ديسمبر (كانون الأول) 2024، أي بعد 11 يومًا من بدء الهجمات الواسعة، التي شنّتها فصائل مسلحة معارضة، سقط نظام بشار الأسد، ما وضع حدًا لخمسين عامًا من حكم هذا النظام في سوريا.
وبحسب منظمات حقوق الإنسان، فقد أسفرت الحرب الأهلية، التي استمرت قرابة 14 عامًا، عن مقتل أكثر من نصف مليون شخص، وتشريد ملايين السوريين داخل وخارج البلاد.
وبعد تولي الحكومة الانتقالية الجديدة، برئاسة أحمد الشرع، مقاليد الحكم، أفرجت السلطات عن آلاف المعتقلين السياسيين، لا سيما من سجن صيدنايا سيئ السمعة.
وأعلنت الحكومة الجديدة اكتشاف عدد من المقابر الجماعية، التي تضم رفات سجناء قضوا تحت التعذيب.
كما شرعت السلطات، خلال الأشهر الأخيرة، بوضع آلية لتعداد المفقودين أثناء الحرب، والتحقيق في مصيرهم.

أكد مصدر أمني في بغداد، في حديث لـ"إيران إنترناشيونال"، أن الباحثة الإسرائيلية - الروسية، إليزابيث تسوركوف، سيتم الإفراج عنها مقابل إطلاق سراح عدد من السجناء الإيرانيين.
وقال أحد المقرّبين من الجماعات الشيعية العراقية للإذاعة الوطنية الإسرائيلية: "إن كتائب حزب الله، الموالية لإيران، لم تعلن بعد موافقتها النهائية بشأن هذا الموضوع".
ووفقًا للمعلومات، التي حصلت عليها "إيران إنترناشيونال" من وزارة الداخلية العراقية، يوم السبت 24 مايو (أيار)، فإنه من المحتمل الإفراج عن عدد من السجناء المدانين في قضايا تتعلق بـ"الأمن، والاختطاف، والقتل"، وهم حاليًا محتجزون في السجون العراقية.
وذكرت التقارير أن هؤلاء السجناء، ومن بينهم أحد عناصر فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني، سيُفرج عنهم مقابل إطلاق سراح تسوركوف.
وفي الوقت نفسه، أكد مسؤول إسرائيلي لموقع "واي نت" الإخباري أن الجهود مستمرة للإفراج عن تسوركوف، التي اختُطفت في بغداد قبل نحو عامين.
وقال هذا المسؤول الإسرائيلي: "إسرائيل طلبت المساعدة من الولايات المتحدة ودول أخرى في هذا الشأن".
شقيقة إليزابيث تسوركوف: نأمل أن تكون التقارير صحيحة
قالت إيما تسوركوف، شقيقة الباحثة الإسرائيلية- الروسية، إنه لا توجد لديها حتى الآن أي تفاصيل حول الاتفاق المزعوم للإفراج عن شقيقتها.
وقالت، في بيان نُشر عبر وسائل الإعلام: "نأمل أن تكون هذه التقارير صحيحة، لكن لا توجد لدينا في الوقت الراهن أي تفاصيل، ونحن ننتظر بيانات رسمية".
وفي وقت سابق من صباح يوم السبت 24 مايو، أفاد تلفزيون "الرابعة" العراقي، المقرّب من إيران، بأن تسوركوف سيتم إطلاق سراحها خلال أسبوع مقابل "الإفراج عن إيراني واحد وستة أشخاص آخرين"، كانوا قد اعتُقلوا؛ بسبب مهاجمتهم أهدافًا أميركية في العراق.
وفي الوقت نفسه، ذكرت قناة "الحدث" الإخبارية أن الاتفاق على الإفراج عن تسوركوف تم بعد زيارة أحد المسؤولين الأمنيين العراقيين إلى الولايات المتحدة.
وكان مستشار الأمن القومي العراقي، قاسم الأعرجي، قد أعلن في 6 مارس (آذار) الماضي، أن السلطات العراقية تبحث بنشاط عن تسوركوف، التي اختُطفت في بغداد قبل نحو عامين.
ويُذكر أن تسوركوف، طالبة الدكتوراه في جامعة برينستون، اختفت في مارس 2023 أثناء قيامها بأبحاث ميدانية في العراق.
اعتقال عنصر من فيلق القدس في العراق
كانت "إيران إنترناشيونال" قد نشرت تقريرًا خاصًا، في 11 يونيو (حزيران) 2024، ذكرت فيه أن محمد رضا نوري، وهو أحد عناصر فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني، قد حُكم عليه بالسجن المؤبد بتهمة قتل مواطن أميركي في العراق.
ووفقًا للتقرير، فإن نوري كان قد اعتُقل سابقًا في إيران بتهمة التجسس.
ويبدو أن هذا العنصر في فيلق القدس هو أحد الأشخاص، الذين سيُفرج عنهم، ضمن صفقة إطلاق سراح تسوركوف من أحد السجون العراقية.
وفي 10 يونيو 2024، نفى مساعد رئيس السلطة القضائية في إيران، كاظم غريب آبادي، التهم الموجهة إلى نوري، وقال إن الولايات المتحدة طلبت تسليمه، إلا أن العراق رفض ذلك الطلب.
وتحدثت تقارير، في الفترة نفسها، عن زيارة وشيكة للقائم بأعمال وزير الخارجية حينها، علي باقري كني، إلى العراق بهدف التفاوض بشأن الإفراج عن هذا العنصر في الحرس الثوري، والذي يصفه المسؤولون الإيرانيون بأنه "مدافع عن الحرم".
وتطلق إيران تسمية "مدافعي الحرم" على المقاتلين، الذين كانت ترسلهم إلى سوريا للمشاركة في الحرب الأهلية هناك، بدعوى حماية مرقد السيدة زينب، شقيقة الإمام الثالث لدى الشيعة.
وقد بدأت وسائل الإعلام الإيرانية تسلط الضوء بشكل مكثف على قضية إدانة نوري في الفترة الأخيرة.
وكان وزير الخارجية الإيراني السابق، حسين أمير عبد اللهيان، قد صرح في 13 مايو 2024، خلال لقائه عائلة نوري، بأنه كان يتابع قضية الإفراج عنه منذ فترة طويلة.

أصدرت وزارة الخزانة الأميركية ترخيصًا عامًا يسمح بإجراء المعاملات مع الحكومة السورية المؤقتة، بقيادة أحمد الشرع، بالإضافة إلى البنك المركزي والشركات الحكومية في دمشق، وذلك بعد سقوط نظام الأسد الموالي لإيران.
وأعلن مسؤول في وزارة الخارجية الأميركية، أمس الجمعة 23 مايو (أيار)، في حديث لوكالة "رويترز"، أن وزير الخارجية الأميركي، ماركو روبيو، أصدر في الوقت ذاته إعفاءً لمدة 180 يومًا من عقوبات "قانون قيصر" ضد سوريا، لضمان ألا تشكل هذه العقوبات عائقًا أمام جهود إعادة الإعمار والتحديث في سوريا.
ومن خلال هذه الإجراءات، يتم رفع العقوبات، بما في ذلك تلك المفروضة على الرئيس المؤقت، أحمد الشرع، ووزير الداخلية، أنس خطاب، كما يتم إخراج البنك المركزي، وخطوط الطيران السورية، وبنك العقارات، ووزارة النفط، والشركة العامة للمشتقات النفطية، ومصافي حمص وبانياس من قائمة المنظمات والمؤسسات المعاقبة.
وكان الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، قد أعلن خلال زيارته إلى المملكة العربية السعودية، في وقت سابق من هذا الشهر، أنه وافق على رفع العقوبات عن سوريا، بناءً على طلب ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان. وفي خطوة غير متوقعة، التقى ترامب الرئيس السوري، أحمد الشرع، في اجتماع قصير حضره ولي العهد السعودي، بينما شارك الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، في اللقاء عبر الإنترنت.
ويُذكر أن العقوبات الأميركية فُرضت منذ عام 2011، مع بداية الحرب الأهلية في سوريا، ضد حكومة الرئيس المخلوع، بشار الأسد، الموالي لإيران، وعدد من الشخصيات الرئيسة في البلاد. وقاد أحمد الشرع المعارضة المسلحة، التي أطاحت بالأسد من السلطة في ديسمبر (كانون الأول) الماضي.
وأعلنت وزارة الخزانة الأميركية، في بيانها، أن الترخيص العام الجديد، المعروف باسم "جي إل 25"، يسمح بإجراء المعاملات التي كانت محظورة سابقًا بموجب اللوائح، وهو ما يعني عمليًا رفع العقوبات عن سوريا.
وجاء في البيان: "يمهد ترخيص (جي إل 25) الطريق للاستثمارات الجديدة وأنشطة القطاع الخاص بما يتماشى مع استراتيجية الرئيس ترامب (أميركا أولًا)".
وجدير بالذكر أن رفع العقوبات، التي عزلت سوريا عن النظام المالي العالمي، سيفتح المجال أمام حضور أوسع للمنظمات الإنسانية في البلاد، ويوفر الأرضية للاستثمارات الأجنبية وتنشيط التجارة في إطار إعادة إعمار سوريا.
تعيين مبعوث أميركي خاص لشؤون سوريا
قبل ساعات من الإعلان عن تخفيف العقوبات على سوريا، أعلن سفير الولايات المتحدة في تركيا، توم باراك، أنه تم تعيينه مبعوثًا خاصًا لشؤون سوريا.
وكتب باراك، يوم الجمعة 23 مايو، في منشور على منصة "إكس": "إن رفع العقوبات عن سوريا يحافظ على هدفنا الرئيس المتمثل في هزيمة داعش بشكل مستدام، ويمنح الشعب السوري فرصة لمستقبل أفضل".
باراك، البالغ من العمر 78 عامًا، هو ملياردير أميركي من لوس أنجلوس، وهو حفيد مهاجرين لبنانيين كاثوليك هاجروا إلى الولايات المتحدة في أوائل القرن العشرين. ويقع مسقط رأس أسلافه في مدينة زحلة القريبة من الحدود السورية- اللبنانية.
ويُعد باراك من المقربين إلى الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، ويعرفان بعضهما منذ عقدهما الثالث، وقد دعّمه في حملته الانتخابية عام 2016، وساهم في جمع التبرعات والاستثمارات له، وظل أحد مقربيه خلال فترة رئاسته الأولى.
وبالإضافة إلى الإنجليزية، يجيد باراك اللغات العربية والإسبانية والفرنسية.

نقلت وكالة الصحافة الفرنسية، عن مصادر دبلوماسية، أن الاتحاد الأوروبي أعلن موافقته على رفع جميع العقوبات الاقتصادية المفروضة على سوريا.
ووفقًا لهذا التقرير، الذي نُشر اليوم الثلاثاء 20 مايو (أيار)، توصّل ممثلو الدول الـ27 الأعضاء في الاتحاد الأوروبي إلى اتفاق بشأن رفع العقوبات عن سوريا، ومن المقرر الإعلان رسميًا عن هذا القرار خلال اجتماع وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي في بروكسل.
وكانت كايا كالاس، المفوضة العليا للسياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، قد أعربت قبل ساعات عن أملها في أن يتوصل وزراء خارجية الدول الأعضاء خلال اجتماع بروكسل إلى اتفاق بشأن رفع العقوبات الاقتصادية عن سوريا.
وأضافت كالاس محذّرة: "على أوروبا أن تمنح سوريا فرصة للاستقرار، وإلا فإنها قد تواجه وضعًا مشابهًا لأفغانستان".
وبحسب التقارير، فإن العقوبات المفروضة على نظام بشار الأسد ستبقى سارية، كما ستستمر العقوبات الجديدة ضد منتهكي حقوق الإنسان في سوريا.
وذكرت وسائل إعلام سورية أن جزءًا من العقوبات التي تقرر رفعها يشمل النظام المصرفي السوري، الذي كان يمنع سوريا من الوصول إلى الأسواق المالية الدولية.
وفي تصريحاتها، قالت كالاس أيضًا: "من الواضح أننا نرغب في أن يكون لدى الشعب السوري وظائف ووسائل للعيش الكريم، لأن ذلك سيساهم في تحقيق مزيد من الاستقرار في البلاد".
وكان الاتحاد الأوروبي قد خفّف في وقت سابق بعض العقوبات في مجالات الطاقة والنقل وإعادة الإعمار والتبادلات المالية المرتبطة، إلا أن بعض الدول الأوروبية رأت أن هذه الإجراءات غير كافية لدعم عملية الانتقال السياسي والإنعاش الاقتصادي في دمشق.
يأتي هذا التحول في سياسة الاتحاد الأوروبي بعد إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب، في 12 مايو (أيار) الجاري، خلال زيارته إلى الرياض، عن توقيعه قرارًا برفع العقوبات المفروضة على سوريا.
وأضاف ترامب أنه اتخذ هذا القرار بالتشاور مع ولي العهد السعودي محمد بن سلمان وبناءً على طلبه.
وقد رحّب عدد من مسؤولي الحكومة الانتقالية السورية وبعض قادة دول الخليج بهذا القرار، واعتبروه فرصة لإعادة إعمار سوريا.
يُذكر أن سوريا خضعت منذ سنوات لمجموعة من العقوبات التي عزلتها عن النظام المالي العالمي، ومنعت دخول العديد من السلع الأجنبية إلى البلاد.

أحدث حل حزب العمال الكردستاني (PKK)، بعد أكثر من 40 عامًا من النضال المسلح، تغييرًا جذريًا في العلاقات الإقليمية، ويشكل نقطة تحول في صراع تاريخي. لكن ردود الفعل على هذا التحول التاريخي تتراوح بين التفاؤل الحذر والتشاؤم بعيد النظر.
ليس من الواضح ما الذي سيحدث في المستقبل أو كيف ستتغير هذه العلاقات. ونتيجة لهذه الشكوك، كانت ردود الفعل خلال الأيام القليلة التالية لإعلان هذا القرار المصيري متباينة بين أولئك الذين يرتبط مصيرهم بهذا الإجراء.
لتقييم ما قد يحدث في المستقبل، فإن استعراض خلفية الصراع التاريخي بين حزب العمال الكردستاني والحكومة المركزية في أنقرة يمكن أن يكون مفيدًا للغاية.
يُعد استعراض تاريخ هذا الصراع، الذي خلف أكثر من 40 ألف قتيل على مدى أكثر من أربعة عقود، سواء في هجمات حزب العمال الكردستاني على أهداف عسكرية ومدنية، أو في العمليات العسكرية للجيش التركي ضد الحزب وأنصاره والمواطنين الأكراد، أمرًا ضروريًا.
الخلفية التاريخية
أسس عبد الله أوجلان حزب العمال الكردستاني في عام 1978 بهدف إقامة دولة مستقلة للأكراد في تركيا.
بدأ النضال المسلح للحزب في عام 1984، وتضمن بشكل رئيسي حروبًا غير متكافئة وعمليات حرب عصابات وهجمات على القوات العسكرية، ولكن في بعض الأحيان استهدف الحزب أيضًا مدنيين أتراك.
تم القبض على أوجلان في عام 1999 وسُجن، لكنه، رغم احتجازه في سجن بجزيرة إيمرالي في بحر مرمرة، حافظ على تأثيره على تحركات الحزب وحلفائه.
في السنوات الأخيرة، غير حزب العمال الكردستاني استراتيجيته وشعاراته السياسية، حيث تخلى عن هدفه بإقامة دولة كردستان المستقلة، وركز على فكرة "التعايش الديمقراطي للشعوب"، مقيدًا مطالبه بالحصول على حقوق مدنية وسياسية أكبر ومتساوية للأكراد ضمن إطار تركيا.
في السنوات الأخيرة، بما في ذلك عام 2013، تمت محاولات لإقرار هدنة وإحلال السلام بين الحزب وتركيا، لكن هذه الجهود فشلت، وتجددت أعمال العنف في كل مرة.
ومع ذلك، فإن إعلان الهدنة الأخيرة وحل حزب العمال الكردستاني ينبئ بفترة جديدة في تركيا، وقد يكون إشارة إلى تغيير جدي في نهج الحكومة التركية تجاه قضية الأكراد.
ما هي "قضية الأكراد"؟
لا توجد إحصاءات دقيقة عن عدد سكان الأكراد في تركيا، لكن يُقال إن 15 إلى 20 بالمائة من سكان تركيا اليوم هم أكراد.
تاريخيًا، يتركز الأكراد في شرق وجنوب شرق تركيا الحالية، لكن عددًا كبيرًا منهم يعيشون خارج هذه المنطقة في مدن كبرى مثل إسطنبول وأنقرة وأزمير. ومع ذلك، منذ تأسيس الجمهورية التركية في عام 1923، لم يتم الاعتراف بالأكراد في القانون والهيكل السياسي.
تم قمع لغتهم وثقافتهم رسميًا، وحتى هويتهم تم إنكارها بشكل منهجي حتى العقود الأخيرة. وكانت الحكومة التركية تنكر وجود الأكراد حتى عام 1991، وتصفهم بـ"الأتراك الجبليين".
وضعت الجمهورية التركية أسماء تركية جديدة على الأسماء المحلية الكردية. وكانت المصطلحات مثل "كردي"، "كردستان" أو "القومية الكردية" محظورة في الإعلام والتعليم والسياسة، وكان استخدام اللغة الكردية في الأماكن العامة أو الخاصة يترتب عليه عواقب وخيمة، وفي فترة معينة كان محظورًا رسميًا، وكان استخدامها يؤدي إلى اعتقال وسجن الفرد.
تأسست الجمهورية التركية على يد مصطفى كمال، الملقب بأتاتورك، على سياسة "أمة واحدة، دولة واحدة"، ولا تعترف بالتنوع الثقافي.
على سبيل المثال، تنص المادة 66 من الدستور على أن كل مواطن في الجمهورية التركية يُعتبر تركيًا، وبالتالي لا يتم الاعتراف بالاختلافات العرقية أو اللغوية أو الثقافية. تشكل هذه المادة الأساس القانوني لإنكار الهوية الكردية والزازاكية والأرمنية واليونانية والعربية وغيرها في البلاد.
في العقود الأولى من تأسيس الجمهورية التركية، اندلعت انتفاضات ذات جذور عرقية ودينية ضد التتريك المنهجي للجمهورية التركية بين الأكراد والزازا.
كانت استجابة الحكومة لهذه الانتفاضات قاسية للغاية، وقمعتها بشكل دموي، وفي بعض الحالات بمذابح جماعية وتهجير قسري للسكان بأعداد كبيرة.
كانت انتفاضة الشيخ سعيد في عام 1925 أول تمرد كبير للزازا والأكراد ضد الجمهورية التركية، وقد تم قمعه بإعدام أو نفي آلاف الأكراد المتورطين في الانتفاضة أو المتهمين بالارتباط بها.
كما فشلت انتفاضة آرارات بقيادة إحسان نوري باشا، التي استمرت من 1927 إلى 1931، وكان هدفها إقامة جمهورية كردية في آرارات حول آغري، بسبب القصف الجوي للجيش التركي والمذبحة الجماعية للأكراد في هذه المنطقة.
في آخر هذه الانتفاضات، احتج الأكراد والزازا في درسیم (تنجلي اليوم) في عام 1937 على القمع المنظم للهوية، لكنهم واجهوا قمعًا شديدًا من الحكومة. قتلت الحكومة أكثر من عشرة آلاف كردي علوي ونُفي الآلاف.
من منتصف القرن العشرين، اتخذت الاحتجاجات الكردية في المناطق الكردية مثل وان وحكاري بقيادة المثقفين الأكراد طابعًا سلميًا. خلال هذه الاحتجاجات، رفع الأكراد مطالبهم الثقافية والقانونية عبر رسائل وتجمعات محدودة.
كانوا يعترضون على التمييز اللغوي والقيود في الانتخابات، لكن رد فعل الحكومة ظل قمعيًا، وواجه القادة والناشطون الأكراد اعتقالات ونفيًا واسع النطاق، وظلت الأنشطة الاجتماعية والثقافية محظورة.
في ستينيات وسبعينيات القرن العشرين، وردًا على تصعيد التتريك، ازداد شعور الأكراد بالاغتراب والهامشية، وتشكلت حركات ثقافية كردية تركز على الميول القومية.
بعد انقلابي 1960 و1971، وتشديد القمع، أصبحت الحركات الثقافية الكردية تدريجيًا أكثر طابعًا سياسيًا، مع التركيز على العدالة الاجتماعية، مما عزز الميول اليسارية بين الأكراد. في المقابل، مع زيادة أنشطة اليساريين ونمو الوعي السياسي الكردي، شددت الحكومة التركية رقابتها على الأنشطة الثقافية واللغوية الكردية. ومن وسط هذه الصراعات، برز حزب العمال الكردستاني في نهاية السبعينيات.
وضع اللغة الكردية في تركيا
بعد تأسيس الجمهورية التركية في عام 1923، كان استخدام اللغة الكردية في الإعلام والنظام التعليمي والسياسة ممنوعًا عمليًا، رغم عدم وجود حظر صريح في القوانين، وكان يتم قمعه بشدة. كانت الشرطة والجيش في المناطق الكردية يعتقلون أو يهددون من يتحدثون بالكردية أو يغنون بها.
بعد الانقلاب العسكري في عام 1980 في تركيا، أصبح التحدث باللغة الكردية في الأماكن العامة ممنوعًا عمليًا، واستمرت هذه القيود حتى أوائل الألفية الثانية.
وفقًا للبند الأول من القانون 2933 الذي صدر في عام 1983، "يُحظر النشر والطباعة وتوزيع المواد بلغة غير اللغات المعترف بها في الدستور التركي".
بعد إقرار هذا القانون، تم اعتقال وسجن عشرات الآلاف بسبب التحدث أو الغناء باللغة الكردية. تم حرق أو مصادرة كميات هائلة من الأعمال الثقافية، بما في ذلك الأشرطة والأسطوانات الموسيقية والكتب الكردية في تركيا. حتى إن بعض العائلات امتنعت عن التحدث مع أبنائها باللغة الكردية في منازلهم خوفًا من اعتقالهم لاحقًا بسبب التحدث بالكردية في الأماكن العامة.
وهكذا، كان القانون 2932 أداة لتشريع القمع الثقافي للأكراد، وفي سياق الانقلاب العسكري عام 1980، كانت الهوية اللغوية والعرقية الكردية تُعتبر جريمة، وكان الأكراد يتعرضون للضغط والإقصاء والعقاب بسبب انتمائهم.
تأسيس حزب العمال الكردستاني
أسس عبد الله أوجلان، خريج العلوم السياسية من جامعة أنقرة، حزب العمال الكردستاني، المعروف اختصارًا بـ "PKK"، في نوفمبر (تشرين الثاني) 1978، بمساعدة مجموعة من اليساريين الراديكاليين الذين جمعتهم في أوائل السبعينيات خلال فترة دراسته الجامعية، بهدف إقامة دولة كردستان مستقلة.
بعد عامين، وبعد الانقلاب العسكري عام 1980، هرب قادة الحزب، بمن فيهم أوجلان، إلى سوريا ولبنان، وبدعم ضمني من حكومة حافظ الأسد في سوريا والجماعات الفلسطينية المقاتلة، أنشأوا معسكرات تدريب عسكري في وادي البقاع في لبنان.
في أعقاب الضغوط المتزايدة على الأكراد، بما في ذلك تقنين حظر استخدام اللغة الكردية في تركيا، دخل حزب العمال الكردستاني منذ عام 1984 مرحلة النضال العصابي ضد الحكومة التركية. نضال دموي للغاية، حيث قامت الحكومة التركية في ذروة الاشتباكات في التسعينيات بإخلاء وتدمير وتطهير عرقي لأكثر من ثلاثة آلاف قرية في المناطق الكردية في البلاد.
خلال هذه الاشتباكات، تم تهجير مئات الآلاف من الأكراد بأوامر من الحكومة والجيش التركي. تم توثيق حالات واسعة النطاق من التعذيب والإخفاء القسري وانتهاكات حقوق الإنسان. في منتصف التسعينيات، غير الحزب هدفه من الاستقلال الكردي إلى الحكم الذاتي.
اختطف جهاز الاستخبارات التركي (MIT)، بمساعدة وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (CIA)، أوجلان في فبراير (شباط) 1999 في كينيا ونقلوه إلى تركيا.
منذ ذلك الحين، يقضي أوجلان عقوبة السجن المؤبد في جزيرة "إيمرالي".
في السجن، غير أوجلان أيديولوجيته من "الاستقلال والحكم الذاتي" إلى "الكونفدرالية الديمقراطية".
هذا المفهوم، الذي ابتكره أوجلان، يركز على الحكم الذاتي المحلي، الديمقراطية المباشرة، المساواة بين الجنسين، والحكم المستدام بيئيًا، ويهدف إلى هيكل سياسي لا مركزي يسمح للأعراق والشعوب المختلفة بالعيش معًا دون حدود وطنية يصفها أوجلان بالقمعية.
خلفية محاولات الهدنة والسلام في تركيا
في عام 2013، وبدور بارز من أوجلان، تم إقرار هدنة بين حزب العمال الكردستاني والحكومة التركية، وبدأت مفاوضات السلام بين الطرفين. في عيد النوروز من ذلك العام، قُرأت رسالة من زعيم الحزب المسجون في تجمع حاشد في مدينة ديار بكر.
جاء في الرسالة: "لقد حان الوقت لتسكت الأسلحة وتتحدث الأفكار. لقد انتهت مرحلة النضال المسلح. تبدأ مرحلة جديدة من النضال الديمقراطي".
بعد بيان النوروز، أعلن الحزب أنه سيسحب قواته من داخل تركيا إلى جبال قنديل في شمال العراق. كانت هذه الرسالة وهذا الانسحاب الأحادي إشارة إلى حسن النية لبناء الثقة في عملية المفاوضات.
بدأ جهاز الاستخبارات التركي (MIT) مفاوضات سرية مع أوجلان في السجن. تم نقل هذه المفاوضات عبر ممثلين سياسيين أكراد إلى قادة الحزب في قنديل. في ذلك الوقت، وصف أردوغان هذه العملية بخطوة شجاعة نحو الديمقراطية وإنهاء العنف، وأصبحت الأجواء العامة أكثر انفتاحًا إلى حد ما. في المناطق الكردية، انتشرت أجواء الأمل والحوار.
فشلت المفاوضات، التي واجهت معارضة شديدة من القوميين والجيش التركي على المستوى الوطني، في صيف 2015.
تم الإشارة إلى عاملين رئيسيين لفشل هذه المفاوضات. العامل الأول هو التطورات في سوريا بعد الحرب الأهلية وتنامي نفوذ وحدات حماية الشعب في شمال سوريا، مما أثار قلق تركيا.
تعتبر أنقرة هذه الجماعة فرعًا من حزب العمال الكردستاني وتصنفها كمنظمة إرهابية.
العامل الثاني هو نجاح حزب الشعوب الديمقراطية في الانتخابات العامة لعام 2015، مما هدد الأغلبية المطلقة لحزب العدالة والتنمية بقيادة أردوغان في البرلمان. هذان العاملان، إلى جانب الضغوط السياسية الداخلية على أردوغان وحاجته إلى كسب دعم الأحزاب القومية، أديا إلى فشل مفاوضات السلام.
بعد فشل مفاوضات السلام مع حكومة أردوغان، تجددت الاشتباكات المسلحة بين الحزب والجيش التركي. بدأ الجيش عمليات عسكرية واسعة النطاق في جنوب شرق تركيا ومدن كردية مثل جزيرة ونصيبين، وقام بتطهير حي سور التاريخي في ديار بكر بالكامل.
كثّف الجيش في الوقت نفسه الغارات الجوية داخل تركيا وخارجها في سوريا والعراق، وادعت الحكومة التركية مرارًا تدمير قادة كبار في الحزب.
من جانبه، نفذ الحزب هجمات ضد القوات الأمنية التركية، ثم ركز أكثر على حرب العصابات في المناطق الحدودية بين العراق وتركيا، وواصل حضوره غير المباشر من خلال حلفائه الإقليميين.
كما ألغت الحكومة التركية نتائج الانتخابات في عشرات البلديات التي فاز بها مرشحو حزب الشعوب الديمقراطية، واعتقلت المسؤولين المنتخبين، وكثفت الضغط الأمني على أعضاء الحزب.
هدنة جديدة وحل حزب العمال الكردستاني
بعد عشر سنوات من هذه التجربة الفاشلة، وفي الوقت الذي كانت الحكومة التركية لا تزال تصنف الحزب كالتهديد الأمني الأول وتواصل العمليات العسكرية ضده، دعا عبد الله أوجلان في فبراير (شباط) من العام الحالي، عبر رسالة، إلى التخلي عن السلاح وحل الحزب.
بعد شهرين، أعلن الحزب رسميًا أنه بعد أربعة عقود من النضال المسلح، سيحل هيكله العسكري ويتخلى عن النضال المسلح: "يمكن الآن حل قضية الأكراد من خلال السياسات الديمقراطية"، وأن المهمة التاريخية للحزب قد انتهت.
إن حل حزب العمال الكردستاني ليس مجرد نهاية لفترة عنيفة استمرت أربعة عقود، بل هو بداية مرحلة صعبة في طريق حل سياسي لقضية الأكراد.
لن تتحقق المطالب الرئيسية لحزب العمال الكردستاني، مثل حرية ودور عبد الله أوجلان في عملية السلام، وضمانات قانونية والاعتراف بحق ممارسة السياسة الديمقراطية، إلا إذا أقدمت الحكومة التركية على إصلاحات عميقة ومستدامة، وإذا رافق المجتمع التركي غير الكردي هذه العملية.
فكرة "الكونفدرالية الديمقراطية"، التي يصر عليها أوجلان من داخل سجن جزيرة إيمرالي، هي إطار للتعايش ضمن الحدود الحالية، مع التركيز على الحكم الذاتي، المساواة، والاستدامة البيئية.
إن مصير هذا الانتقال لن يكون حاسمًا فقط بالنسبة للأكراد، بل بالنسبة لمستقبل الديمقراطية في تركيا والتوازن السياسي في الشرق الأوسط.

قال وزير الدفاع الأميركي، بيت هيغسيت، إن العمليات الأميركية ضد الحوثيين لم تقضِ عليهم تمامًا، لكن الهدنة بين الولايات المتحدة والحوثيين منحت الجيش الأميركي فرصة لإعادة التركيز على "المصالح الأساسية".
وفي حديثه مع قناة "فوكس نيوز" يوم الاثنين 19 مايو (أيار)، قال: "لقد وضع الرئيس هدفًا محدودًا، وهو جعل الحوثيين يبكون ويقولون إننا انتهينا. الآن يمكن لسفننا أن تتحرك بحرية في باب المندب والبحر الأحمر. بالطبع، هذا ليس الوضع المثالي النهائي، لأنهم لم يُدمّروا بالكامل".
وفي مارس (آذار) الماضي، بعد استئناف الحوثيين هجماتهم على السفن التجارية في الممرات المائية جنوب اليمن، كثّف الجيش الأميركي عملياته العسكرية ضد هذه الجماعة المتمردة المدعومة من إيران. وأسفرت هذه الهجمات عن مقتل "مئات من مقاتلي الحوثيين وعدد كبير من قادتهم".
بعد حوالي أسبوعين من إقرار الهدنة بين الحوثيين والولايات المتحدة، أشار وزير الدفاع الأميركي إلى ضرورة إحداث تغيير في اليمن والقضاء على الحوثيين من وجهة نظر بعض الجماعات، وردّ على هذا المطلب قائلاً: "مثل هذا المطلب سيكون رائعًا في عالم مثالي، عالم يمكن فيه تخصيص كل الوقت والأسلحة والذخائر لتحقيق هدف واحد".
وأضاف هيغست أن الولايات المتحدة يجب أن "تركز على العديد من القضايا الأخرى مثل إيران والصين"، وإذا كرست كل جهودها ووقتها لتغيير النظام في اليمن، فإنها ستكون قد أهملت مصالحها الأساسية.
في 3 مايو (أيار)، أعلن ترامب فجأة عن إقرار هدنة بين الولايات المتحدة والحوثيين، وقال إن الجماعة وافقت على وقف هجماتها على السفن الأميركية مقابل إنهاء الحملة العسكرية الأميركية ضدهم.
كانت هذه العمليات قد أصبحت منذ فترة حملة باهظة التكلفة للغاية بالنسبة للولايات المتحدة.
ووفقًا لقول هيغست، كانت الحملة العسكرية الأميركية مستمرة بلا هوادة منذ اليوم الأول، ونجح الجيش في تحقيق مهمته الأساسية، وهي ردع الحوثيين عن مهاجمة السفن الأميركية وإعادة الأمن إلى المياه في الشرق الأوسط.
وأفادت وسائل الإعلام أنه مع تصعيد العمليات الأميركية، أسقط الحوثيون سبع طائرات مسيّرة أميركية بقيمة تزيد عن 200 مليون دولار، وخسرت البحرية الأميركية طائرتين مقاتلتين من طراز "FA-18" في البحر خلال عشرة أيام. وقُدرت تكلفة الشهر الأول من هذه الحملة العسكرية للولايات المتحدة بأكثر من مليار دولار.
وبدأ الحوثيون بإطلاق النار باتجاه إسرائيل والملاحة في البحر الأحمر مع بدء العمليات العسكرية الإسرائيلية ضد حماس في غزة، وأعلنوا فور التوصل إلى اتفاق الهدنة مع الولايات المتحدة أن هذه الهدنة لا تشمل الهجمات على مواقع إسرائيل.
