وكتب شهبازي، الذي كان له تعاون وثيق مع وزارة الاستخبارات الإيرانية لعقد من الزمن، على حسابه في منصة "إكس"، أن على مسؤولي النظام أن يُبقوا وسائل الاتصال مثل الهواتف المحمولة بعيدًا عنهم "خوفًا من الاغتيال".
هذا العضو السابق في "حزب توده"، الذي لعب دورًا بارزًا في الأبحاث الخاصة بوزارة الاستخبارات بعد اعتقاله عام 1982، وبعد تأسيس الوزارة، أضاف: "بات واضحًا الآن أنه إلى جانب الهجمات الجوية والصاروخية والطائرات المُسيّرة، هناك شبكة إسرائيلية نشطة على الأرض داخل إيران. لا أعلم إلى متى يمكن لهذا الوضع المزدوج أن يستمر؟".
وبعد أن انتشر ما كتبه شهبازي في وسائل الإعلام، عاد وكتب منشورًا جديدًا نفى فيه أن يكون عضوًا رسميًا في وزارة الاستخبارات، لكنه أقرّ بأنه كان يعمل في مبنى تابع لها.
وأوضح شهبازي أنه لم يكن يومًا عضوًا في وزارة الاستخبارات، لكن بسبب رواج كتبه، خصص له مسؤولو النظام في عام 1988 مبنىً تابعًا لهم لمؤسسة الدراسات والبحوث السياسية. وأشار إلى أنه لاحقًا تم نقل ملكية المبنى واسم المؤسسة رسميًا إلى وزارة الاستخبارات.
ويُعرف شهبازي بكتاباته حول تاريخ حكم أسرة بهلوي، وحزب توده، والنظام الإيراني، بما في ذلك كتاب يحتوي على اعترافات من حسين فردوست، رئيس مكتب المعلومات الخاص للبلاط الملكي في عهد الشاه، وكتاب آخر عن نورالدين كيانوري، السكرتير الأول لحزب توده، نُشر بتعاون أمني مع النظام الإيراني.
وفي فترة لاحقة، وبأمر من علي خامنئي، أُتيح له استخدام مبنى ومرافق تابعة لمؤسسة المستضعفين.
حملة استخباراتية إسرائيلية واسعة
وبحسب تقارير، فإن إسرائيل، بالتوازي مع اغتيالات مركزة استهدفت قادة عسكريين وأمنيين، أطلقت حملة استخباراتية واسعة، تم الكشف عن بعض جوانبها.
في إحدى الصور لمراسم دينية في "حسينية خاصة" لعلي خامنئي في ديسمبر (كانون الأول) الماضي، يظهر خمسة أشخاص، توفي اثنان منهم لاحقًا وهما حسين سلامي ومحمد باقري.
وفي 23 يونيو (حزيران) الماضي، نشرت صحيفة "واشنطن بوست" تسجيلاً صوتيًا يتضمن مكالمة من أحد عملاء الاستخبارات الإسرائيلية مع قائد كبير في الحرس الثوري، حيث قال له بالفارسية: "أقولها الآن: لديك 12 ساعة لتفرّ مع زوجتك وأطفالك. وإلا فأنت على قائمتنا... نحن أقرب إليك من وريدك. ضع هذا في رأسك. حفظك الله".
كما كشفت وثائق، بعد الهجوم على مبنى إدارة سجن إيفين، أن عملاء إسرائيليين اتصلوا مسبقًا بابن هدايت الله فرزادي، مدير السجن، مما دفعه لمغادرة موقعه بشكل مفاجئ.
وأكد شهبازي مجددًا في منشوره الأخير أن المسؤولين الإيرانيين يبتعدون عن الهواتف المحمولة، وربما لذلك تم الاتصال بابن فرزادي بدلاً منه.
انهيار الأمن النفسي للمسؤولين الإيرانيين
بعد الهجمات الإسرائيلية، امتنع المرشد علي خامنئي عن الظهور في أي مناسبة عامة لفترة طويلة، وحتى بعد إعلان الهدنة، لم تُنشر له صور أو مقاطع فيديو كما كان معتادًا.
ووصل مستوى الحماية حوله إلى درجة أنه لم يُقم شخصيًا صلاة الجنازة على كبار قادة الحرس الثوري الذين قُتلوا في الضربات الإسرائيلية، خلافًا للعادة.
وتم تأجيل مراسم تشييع عدد من القادة القتلى مرارًا، وفي يوم 29 يونيو (حزيران)، رغم إعلان وقف إطلاق النار، أظهرت الصور أن شخصيات، مثل محمد باقر قاليباف ومحمد جواد ظريف، ظهرت في الجنازة وهم يخفون وجوههم بأقنعة وقبعات، وسط حراسة مشددة.
وخلال مقابلة مع الإعلامي الأميريكي تاكر كارلسون، في 6 يوليو (تموز)، صرّح الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان أن إسرائيل حاولت اغتياله لكنها فشلت، وأضاف: "أؤمن أن الموت بيد الله".
وفي أعقاب الهدنة، تبيّن أن مجلس الوزراء في جلسته بتاريخ 17 يونيو (حزيران)، منح المحافظين سلطات أوسع، وهو إجراء كان مطروحًا منذ بداية عمل الحكومة، لكنه تسارع بعد الحرب.
وفي 8 يوليو (تموز)، أكد بزشكيان رسميًا خلال جلسة حكومية أنه نقل جزءًا كبيرًا من صلاحيات رئيس الجمهورية إلى المحافظين.
الجدل حول موت رئيسي يعود للواجهة
تحركات وتصريحات بزشكيان أعادت الجدل حول ظروف وفاة الرئيس السابق إبراهيم رئيسي في حادثة تحطم المروحية في عام 2024.
فمنذ تلك الحادثة، شكك كثيرون في كونها مجرد حادث عرضي، وطرحوا احتمالية تورط إسرائيل.
ومؤخرًا، كتب رضا عاشري، عضو مجلس مدينة رشت، في "ستوري" على إنستغرام متهكمًا: "إسرائيل، لقد قتلت لنا رئيسًا. المرحوم الشهيد رئيسي. هذا الجديد أكثر ثورية من السابق...".
وكان علي يونس، وزير الاستخبارات في حكومة محمد خاتمي، قد صرّح في يوليو (تموز) 2021 أن مستوى اختراق إسرائيل للأجهزة الأمنية الإيرانية يجعل كل مسؤول يشعر بالخطر على حياته.
الرعب من إسرائيل والانتقام من المواطنين
حتى قبل الحرب الأخيرة، نفذت إسرائيل عمليات اغتيال دقيقة ضد شخصيات مؤثرة في النظام الإيراني، مثل محسن فخري زاده، وأظهر ذلك اطلاعًا دقيقًا على تحركات المسؤولين الإيرانيين.
ورغم امتناع هؤلاء عن استخدام الهواتف المحمولة أو وسائل الاتصال، ورغم تغيير أماكن إقامتهم، كانت إسرائيل قادرة على استهدافهم.
على سبيل المثال، كشفت مهدية شادماني، ابنة علي شادماني، القائد السابق لمقر "خاتم الأنبياء"، والذي قُتل بعد فترة قصيرة من تعيينه خلفًا لغلام علي رشيد، أن والدها لم يكن يستخدم وسائل اتصال ولم يكن يقيم في مكان ثابت، ومع ذلك تم استهدافه بدقة.
وكتبت: "التتبع الإسرائيلي يتجاوز الواتساب والتجسس التقليدي أو الفردي".
وفي ظل هذه الظروف، يبدو أن النظام الإيراني، بعد أن أثبتت التجربة الأخيرة عجزه عن حماية قادته ومسؤوليه، وجّه أصابع الاتهام إلى المواطنين.
فقد تصاعدت وتيرة الاعتقالات الجماعية بتهم ثقيلة مثل "التجسس" منذ بداية الحرب، واشتدت أكثر بعد إعلان وقف إطلاق النار.
غير أن خبراء ومطلعين على أساليب الحماية، وكذلك أقارب القتلى، أكدوا أن المعلومات الدقيقة والمحدثة التي تمتلكها إسرائيل حول أماكن اختباء مسؤولي النظام الإيراني، لا يمكن أن تكون من مصادر المواطنين العاديين.